صحيح البخاري
Sahih Bukhari
كِتَاب تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ
The Book of Commentary
سورة حم السَّجْدَةِ:
(41) SURAT HA MIM AS SAJDAH (The Prostration) or SURAT-FUSSILAT
وَقَالَ طَاوُسٌ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، ائْتِيَا طَوْعًا، أَوْ كَرْهًا أَعْطِيَا، قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ: أَعْطَيْنَا، وَقَالَ الْمِنْهَالُ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ، قَالَ: فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ، وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ، وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا، وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ، فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ: وَقَالَ أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا إِلَى قَوْلِهِ دَحَاهَا سورة النازعات آية 27 - 30، فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الْأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ إِلَى قَوْلِهِ طَائِعِينَ سورة فصلت آية 9 - 11، فَذَكَرَ فِي هَذِهِ خَلْقَ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ، وَقَالَ: وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا، عَزِيزًا حَكِيمًا سَمِيعًا بَصِيرًا فَكَأَنَّهُ كَانَ، ثُمَّ مَضَى، فَقَالَ: فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ، فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ، ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الْآخِرَةِ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ وَأَمَّا قَوْلُهُ مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ، وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ: حَدِيثًا فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِأَهْلِ الْإِخْلَاصِ ذُنُوبَهُمْ، وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: تَعَالَوْا نَقُولُ لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ فَخُتِمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ فَعِنْدَ ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُكْتَمُ حَدِيثًا وَعِنْدَهُ، يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا الْآيَةَ: وَخَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ثُمَّ دَحَا: الْأَرْضَ وَدَحْوُهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى وَخَلَقَ الْجِبَالَ وَالْجِمَالَ وَالْآكَامَ، وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ دَحَاهَا وَقَوْلُهُ: خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ: فَجُعِلَتِ الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَخُلِقَتِ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ، وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا: سَمَّى نَفْسَهُ ذَلِكَ وَذَلِكَ قَوْلُهُ أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ فَلَا يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ، حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ الْمِنْهَالِ بِهَذَا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ: مَحْسُوبٍ، أَقْوَاتَهَا: أَرْزَاقَهَا، فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا: مِمَّا أَمَرَ بِهِ، نَحِسَاتٍ: مَشَائِيمَ، وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ: قَرَنَّاهُمْ بِهِمْ، تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ: عِنْدَ الْمَوْتِ، اهْتَزَّتْ: بِالنَّبَاتِ، وَرَبَتْ: ارْتَفَعَتْ، مِنْ أَكْمَامِهَا: حِينَ تَطْلُعُ، لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي أَيْ بِعَمَلِي أَنَا مَحْقُوقٌ بِهَذَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ: قَدَّرَهَا سَوَاءً، فَهَدَيْنَاهُمْ: دَلَلْنَاهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَقَوْلِهِ: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ، وَكَقَوْلِهِ: هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ، وَالْهُدَى الَّذِي هُوَ الْإِرْشَادُ بِمَنْزِلَةِ أَصْعَدْنَاهُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ، يُوزَعُونَ: يُكَفُّونَ، مِنْ أَكْمَامِهَا: قِشْرُ الْكُفُرَّى هِيَ الْكُمُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَيُقَالُ لِلْعِنَبِ إِذَا خَرَجَ أَيْضًا كَافُورٌ وَكُفُرَّى، وَلِيٌّ حَمِيمٌ، الْقَرِيبُ، مِنْ مَحِيصٍ: حَاصَ عَنْهُ أَيْ حَادَ، مِرْيَةٍ: وَمُرْيَةٌ وَاحِدٌ أَيِ امْتِرَاءٌ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: اعْمَلُوا مَا: شِئْتُمْ هِيَ وَعِيدٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ: الصَّبْرُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَالْعَفْوُ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ فَإِذَا فَعَلُوهُ عَصَمَهُمُ اللَّهُ وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.
وقال طاوس: عن ابن عباس، ائتيا طوعا، او كرها اعطيا، قالتا اتينا طائعين: اعطينا، وقال المنهال: عن سعيد بن جبير، قال: قال رجل لابن عباس: إني اجد في القرآن اشياء تختلف علي، قال: فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون، واقبل بعضهم على بعض يتساءلون، ولا يكتمون الله حديثا، والله ربنا ما كنا مشركين، فقد كتموا في هذه الآية: وقال ام السماء بناها إلى قوله دحاها سورة النازعات آية 27 - 30، فذكر خلق السماء قبل خلق الارض، ثم قال: ائنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين إلى قوله طائعين سورة فصلت آية 9 - 11، فذكر في هذه خلق الارض قبل خلق السماء، وقال: وكان الله غفورا رحيما، عزيزا حكيما سميعا بصيرا فكانه كان، ثم مضى، فقال: فلا انساب بينهم، في النفخة الاولى، ثم ينفخ في الصور فصعق من في السموات، ومن في الارض إلا من شاء الله فلا انساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون، ثم في النفخة الآخرة اقبل بعضهم على بعض يتساءلون واما قوله ما كنا مشركين، ولا يكتمون الله: حديثا فإن الله يغفر لاهل الإخلاص ذنوبهم، وقال المشركون: تعالوا نقول لم نكن مشركين فختم على افواههم فتنطق ايديهم فعند ذلك عرف ان الله لا يكتم حديثا وعنده، يود الذين كفروا الآية: وخلق الارض في يومين ثم خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ثم دحا: الارض ودحوها ان اخرج منها الماء والمرعى وخلق الجبال والجمال والآكام، وما بينهما في يومين آخرين فذلك قوله دحاها وقوله: خلق الارض في يومين: فجعلت الارض وما فيها من شيء في اربعة ايام وخلقت السموات في يومين، وكان الله غفورا رحيما: سمى نفسه ذلك وذلك قوله اي لم يزل كذلك فإن الله لم يرد شيئا إلا اصاب به الذي اراد فلا يختلف عليك القرآن، فإن كلا من عند الله، قال ابو عبد الله، حدثني يوسف بن عدي، حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن ابي انيسة، عن المنهال بهذا، وقال مجاهد: لهم اجر غير ممنون: محسوب، اقواتها: ارزاقها، في كل سماء امرها: مما امر به، نحسات: مشائيم، وقيضنا لهم قرناء: قرناهم بهم، تتنزل عليهم الملائكة: عند الموت، اهتزت: بالنبات، وربت: ارتفعت، من اكمامها: حين تطلع، ليقولن هذا لي اي بعملي انا محقوق بهذا، وقال غيره: سواء للسائلين: قدرها سواء، فهديناهم: دللناهم على الخير والشر كقوله: وهديناه النجدين، وكقوله: هديناه السبيل، والهدى الذي هو الإرشاد بمنزلة اصعدناه ومن ذلك قوله: اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده، يوزعون: يكفون، من اكمامها: قشر الكفرى هي الكم، وقال غيره: ويقال للعنب إذا خرج ايضا كافور وكفرى، ولي حميم، القريب، من محيص: حاص عنه اي حاد، مرية: ومرية واحد اي امتراء، وقال مجاهد: اعملوا ما: شئتم هي وعيد، وقال ابن عباس: ادفع بالتي هي احسن: الصبر عند الغضب والعفو عند الإساءة فإذا فعلوه عصمهم الله وخضع لهم عدوهم كانه ولي حميم.